دعوة شيخ جماعة العدل والإحسان الخطيرة تبدو بمثابة تتويج لمسار من التطور لأيديولوجية الجماعة بعد وفاة عبدالسلام ياسين.
محمد بن امحمد العلوي [نشر في 2016\04\12]
تطرح خرجة الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، ذات المرجعية الإسلامية المحظورة في المغرب، عدة أسئلة حارقة كون محمد عبادي استلهم اصطلاح “الدولة الإسلامية”، الذي دشن به داعش خطواته الإرهابية في العراق والشام وبواسطته قطع الرؤوس ودمر المدن واستباح المحرمات، فهل هو مدخل لتحول في أيديولوجية الخطاب والممارسة لدى جماعة دأب مؤسسها على النأي بنفسه عن أي ممارسة عنيفة؟
إن التحول في الخطاب يسائل الجماعة حول ما تعنيه بالدولة الإسلامية الذي قاله العبادي، في الشريط عن اجتماع لمجلس للجماعة بثته قناة “الشاهد” الإلكترونية التابعة لها “إن الدولة الإسلامية هي التي تدافع عن المسلمين وتسعى لتحقيق مصالحهم، وفي غيابها ها نحن نعيش أوضاعا مزرية، لكن الأمر لن يطول حتى نرى راية الإسلام خفاقة في جميع ربوع العالم”.
استلهام البيان الأيديولوجي لداعش
سيكون من الصعب تبرير الدعوة التي أطلقها شيخ جماعة العدل والإحسان محمد عبادي منذ أيام حول موضوع ضرورة تطبيق الخلافة على منهج النبوة و”ضرب عنق كل شخص يخالف ذلك”، فالأمر يتجاوز فكرة تأملات شيخ الجماعة في لحظة صوفية سياسية تربوية إلى قرار استراتيجي مكتمل لبداية تحول في عمل جماعة العدالة والإحسان بعد أن اشتغلت لسنوات على طمأنة أجهزة المخابرات البريطانية والأميركية والتركية بكونها جماعة دعوية سلمية ذات نزوعات صوفية مواجهة للتطرف.
وتوصيف حسن بناجح، نائب الناطق الرسمي باسم الجماعة، في تصريحه أن محمد عبادي كان “يتحدث عن فترة زمنية كانت لاحقة محققة فيها، ويقصد من يحاول أن يقسم وحدة المسلمين، وليس واقعنا المشتت أصلا”، يزيد دعوته غموضا كون الإسلام في عمقه ومقاصده يتناول قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية من منظور متجدد وليس وفق رؤية ماضوية. ولا يوجد هناك مبرر أن يقول بناجح، إن “الفهم التبسيطي الذي ذهب إليه البعض بكون عبادي يهدد بقطع الرقاب غير صحيح، لو كان ذلك صحيحا لكانت َالجماعة تضرب الرقاب منذ 40 سنة”، لأن هناك تغيرات واضحة في مستوى اللغة باستلهام مفاهيم تُفعِلها داعش الأرض في كل من ليبيا ومصر ودول أوروبية قريبة من التراب المغربي.
ويشير شيخ الجماعة محمد عبادي في دعوته الموجهة إلى كافة المسلمين السنة إلى أن المذاهب الأربعة أجمعت على وجوب إقامة الخلافة لتضم شتات المسلمين، وأن الإجماع ثابت عند الصحابة، ويعود شيخ الجماعة إلى الاستدلال بدعوة الخليفة عمر بن الخطاب لإيجاد خليفة له بعد طعنه ودعوته إلى ضرب عنق كل من يخالف ذلك، مفسرا دعوته بالقول إنه لا يحل للمسلمين أن يبيتوا ثلاثة أيام دون خليفة، ويبدو أن شيخ جماعة العدل والإحسان يتجاوز في تأويلاته للمرجعية الدينية كل الكتابات الإسلامية المرتبطة بقيام الخلافة بما فيها أطروحات المفكر السني ابن تيمية وتلامذته اللاحقين كمحمد بن عبدالوهاب، ليستمد شيخ جماعة العدل والإحسان الدعوة التي أطلقها منذ أيام لكافة المسلمين من البيان الأيديولوجي التأسيسي لداعش الموجود في كتاب أبي بكر الناجي الحامل لعنوان “إدارة التوحش أخطر مرحلة ستمر بها الأمة” والذي يدعو إلى الخلافة العالمية، وبذلك يلتقي الزعيمان محمد عبادي وأبوبكر البغدادي في العمل بنفس المرجعية لنشر فكرة ضرورة الخلافة العالمية.
وبذلك تبدو دعوة شيخ جماعة العدل والإحسان بمثابة تتويج لمسار من التطور لأيديولوجية الجماعة بعد وفاة عبد السلام ياسين، تطور استلهم فيه عبادي ودائرته السياسية الخطوات التي رسمها أبوبكر ناجي، المنظر الأيديولوجي لتنظيم داعش، في رسمه للصورة المثالية لمهمات إدارة التوحش والمتمثلة في مهمات مارستها جماعة العدل والإحسان في المغرب وخارجه وفق ما هو محدد في كتاب أبي بكر ناجي، فالجماعة قامت بإيهام المخابرات الدولية أنها تساهم في نشر الأمن الداخلي، وتقوم بأعمال إنسانية ورفع “المستوى الإيماني” لأفرادها وبث العلم الشرعي، وفي نفس الوقت زرعت العيون، وفق ما هو موجود في البيان الأيديولوجي المؤسس لداعش لاستكمال بناء جهاز استخباراتي ينقل المعلومات لقيادة الجماعة من التراب المغربي والأوروبي، وإقامة التحالفات التي عملت الجماعة على الاشتغال بها طيلة السنوات الأخيرة بالانفتاح على “الديمقراطيين” واليساريين بما في ذلك الأكثر علمانية مثل النهج الديمقراطي، فالجماعة سعت بعد عبد السلام ياسين إلى فتح مجال للتوسع حتى تصل إلى المرحلة الحالية التي يعود فيها محمد عبادي، إلى فكرة الخلافة و”ضرب عنق كل مخالف لذلك” في مرحلة يدعو فيها البغدادي كل مسلم سني إلى البيعة لتجنب القتل والتفجيرات الإرهابية.
تقليد وثبة البغدادي
يُقدم التحليل السلوكي والنفسي لدعوة شيخ العدل والإحسان بربطه بالتحولات الجارية في مسار الجماعة منذ أربع سنوات وجود ممارسات علنية وسرية متضاربة في مشاركة السلفيين والإخوان إقليميا ودوليا والتناقض معهم، وفي انتقاد القوى الغربية في الداخل واللقاءات بمخابراتها في الخارج، وبالمشاركة في الاحتجاجات وانفتاحها المناوراتي على اليسار وشخصيات من عالم الأعمال، وبالتأرجح بين النصيحة والانتقاد الحاد والاحتجاج على حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبذلك تكون جماعة العدل والإحسان قد استطاعت نيل ثقة المخابرات الأميركية والبريطانية من خلال إيهامها بطابع “الصوفية السياسية” لدرجة أن هذه الأجهزة المخابراتية باتت تقدمها كقوة قادرة على ردع الإرهاب في شمال أفريقيا وأوروبا، وتدعو المغرب إلى الترخيص لها للاشتغال القانوني، لكن هذه الأجهزة المخابراتية العالمية لم تنتبه إلى أن جماعة العدل والإحسان في أوروبا كانت هي الممر الذي سهل للمتطرفين دخول المساجد والهيمنة عليها في ألمانيا وفرنسا.
فأعضاء الجماعة عملوا في الأربع سنوات الأخيرة على الهيمنة على مساجد الجاليات المغاربية وأبرموا صفقة بتسليمها لجماعات متطرفة مشرقية، الشيء الذي يُفسر هذا المد الداعشي الأوروبي في الثلاث سنوات الأخيرة، فجماعة العدل والإحسان ظلت تُروج لفكرة الخلافة مما سهل عملية بيعة العديد من الأوروبيين من أصول مغاربية لأبي بكر البغدادي حامل فكرة الخلافة العالمية.
خروج محمد عبادي في هذا الظرف بفكرة تطبيق الخلافة يكون بمثابة العامل المساعد على مزيد من تمدد فكرة “الخليفة” البغدادي في مرحلة تراجع تنظيم داعش بسوريا والعراق، وفي نفس الوقت المساعدة على تنفيذ مشروع داعش المبني على الخلافة العالمية، وتلتقي دعوة محمد عبادي مع بداية عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى بلدانهم في أوروبا وشمال أفريقيا.
فهل يمكن أن تكون فكرة ربط الخلافة بضرب الأعناق بمثابة التحول الأيديولوجي الكبير في بعض مكونات جماعة العدل والإحسان لتشجيع المحتضنين والحاملين لفكر البغدادي وتوجيههم نحو مشروع جماعة العدل والإحسان الذي وصل مرحلة “خلافة الزحف”؟ هذا المشروع الذي يمكن تشبيهه بالجماعات التكفيرية التي قادها أبو محمد المفتي العاني في العراق، ووصلت بعد سنوات إلى أبي بكر البغدادي ومشروع الدولة الإسلامية العالمية الذي قد تكون جماعة العدل والإحسان، ذات المسار الغامض، إحدى حلقاته في السنوات المقبلة.
أسئلة حارقة يتوجب على الجماعة الإجابة عليها بكل وضوح، حتى نتبين هل أن خرجة محمد العبادي لا تمثل انقلابا على فكر عبد السلام ياسين ودعوته إلى عدم الخروج عن منهج التدبير المؤسس على الحوار والتدافع السلمي؟